أرشيف

المبادرة الخليجية .. وصول إلى نقطة الفشل

عاد أمين عام مجلس التعاون الخليجي من صنعاء بخفي حنين وهو ما أدى بوزراء دول الخليج إلى عقد اجتماع استثنائي خرج بقرار إعادة الزياني مرة ثالثة-لم يحدد موعده بعد- إلى صنعاء لبذل مزيد من الجهود للخروج باتفاق لتنفيذ المبادرة الخليجية ، معبراً -في بيان- عن أمله في إزالة كل العوائق التي ما زالت تعرقل الاتفاق النهائي.


إصرار الرئيس صالح على التوقيع بصفته رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام لا رئيساً للجمهورية عد تنصلاً عن موافقته المبدئية على المبادرة والتي كان متوقعاً أن ترفضها المعارضة ولكنه تفاجأ بموافقتها ليجد نفسه في مأزق فحاول التهرب وبحجج واهية أثارت التساؤل والاستغراب.


لقد كان الأمر بالنسبة للمراقب تطوراً مؤسفاً وموقفاً غير متوقع ، في حين يؤكد البعض أن عودة الزياني خائباً تعد مؤشراً لفشل المبادرة على عكس متفائلين بأنها قد تكون فرصة لترتيب الصفوف وإعادة الكرة مرة أخرى خاصة انها تمثل المخرج الأخير لليمن من وصول الأوضاع إلى حالة الانفجار . ويأتي جدل التوقيع على المبادرة وسط أجواء ضبابية حول مستقبل تنفيذها على أرض الواقع أيضاً والذي لم يكن لينتهي بمجرد التوقيع عليها والسبب في ذلك يعود أساسا إلى الإشارات المتضاربة للنظام والمعارضة بشأن الخطوات التنفيذية وتفسير ها من قبل كل طرف.


ما قام به الرئيس من رفض التوقيع على الاتفاق كرئيس للحزب هو من باب التكتيك الذي سينقلب عليه ، فهو ليس ذا قدرة حتى يواجه المجتمع الإقليمي والدولي وإلا لما كان أعقب تراجعه عن موافقته بالتوقيع على المبادرة بالاتصال بالعاهل السعودي وملك البحرين ورئيس دولة الإمارات ربما ليعتذر لهم عن سوء الفهم الذي جرى.وحسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية”سبأ” فإن صالح عبر عن “ترحيبه بالمبادرة الخليجية، مؤكداً على ضرورة تنفيذها كمنظومة متكاملة غير قابلة للتجزئة والانتقائية وبحيث يتم تنفيذ بنودها بحسب أولوياتها، وبما لا يتنافى مع دستور الجمهورية اليمنية ويكفل إنهاء الأزمة التي افتعلها الانقلابيون والمأزومون لجر الوطن إلى الفتنة والصراع”.


هناك تفسيران جعلا صالح يختلق أعذاراً لرفض التوقيع عن اتفاق التنحي، الأول استكمال استعداداته العسكرية خلال فترة التفاوض حول المبادرة وهي التي ربما منحته قدراً من الاطمئنان إلى قدرته على مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة ضده ، والتفسير الثاني -وهو الأرجح- تناهي إلى مسامع الرئيس علي عبدالله صالح أن الضمانة التي ستمنح له بعدم محاكمته وأفراد عائلته وأعوانه لن توقع عليها أمريكا عبر سفيرها في صنعاء ، كون قوانينها لا تجيز منح عفو عن الجرائم والفساد وهو ما أثار فزع الرئيس من أن أمريكا قد تدعم محاكمته مستقبلاً أمام محكمة الجنايات الدولية إذا ما قرر الشعب ذلك.


لقد كان من المتوقع أن يبحث الرئيس عن منفذ للمماطلة ،لذا استبق موعد توقيع المبادرة بشن هجوم على دولة قطر وبشكل فج .. ومن ذلك أن قال انه سيعترض على وجود ممثلين قطريين في مراسم توقيع اتفاق المبادرة الخليجية الخاصة بتنحيه عن السلطة سلمياً.ولم يكتف الرئيس في اتهامه لقطر بالتآمر على اليمن وإنما ادعى أنها وراء الاضطرابات في جميع الدول العربية.


وأضاف أن قطر تريد أن تكون “دولة عظمى” في المنطقة من خلال استخدامهم للأموال ولقناة الجزيرة. وزاد صالح بلغة تهديدية “سنتحفظ على التوقيع إن حضر ممثلو قطر مع وزراء خارجية مجلس التعاون”.


واستطرد: “الآن المال يتدفق إلى اليمن لإثارة الفوضى والقلاقل، وإراقة الدم .. والدم عندنا غالي.. وهي تستغل هذا الظرف السياسي، وتستغله استغلالاً سيئاً.. فنحن نأسف لانها ضالعة في مؤامرة، ليس فقط في اليمن فحسب، ولكن في الوطن العربي”.


الأمين العام المساعد للمؤتمر الشعبي العام أحمد عبيد بن دغر هو الآخر استعار لسان الرئيس صالح ليوجه “شتائمه” إلى دولة قطر ويهاجمها بشدة، وذلك بعد يوم واحد من اتهام الرئيس لها “بتمويل” الفوضى في اليمن.


وقال بن دغر عقب صلاة الجمعة في كلمة ألقاها أمام حشد من مؤيدي صالح بميدان السبعين “إن المتآمرين على الوطن اليمني اليوم سوف لن يحصدوا سوى خيبة الأمل وسوف تتحطم مؤامراتهم على صخرة الصمود الوطني والالتفاف الشعبي حولكم –يقصد صالح-ممثلا للشرعية الدستورية وحاميا للانجازات الوطنية التي تحققت على مدى عقود خمسة مضت”.


داعياً القطريين “إلى تحرير قطر أولا من العبودية الاستعمارية”.حسبما قال. وخاطب القطريين قائلاً “حرروا ارض قطر من الوجود الأجنبي، حققوا إن استطعتم سيادتكم أولا على أرضكم ..ابحثوا عن الحرية لأنفسكم قبل أن تهبوها للآخرين”.


وأضاف “إن أردتم التغيير فابدأوا بأنفسكم.. حرروا مجتمعكم من الاستبداد.. ابحثوا عن الديمقراطية لأنفسكم ولمجتمعكم وفاقد الشيء لا يعطيه ومن لم يكن ديمقراطيا لا يمكنه الحديث عن التغيير”.


هذه التصريحات كانت مصدر إزعاج لدول الخليج وعبرت عن رفضها واستهجانها لما وصفتها بالإساءات التي وجهها الجانب اليمني لقطر..


وقالت في بيان ختامي لاجتماع استثنائي لمجلس وراء خارجيتها “إن قطر تبذل مع شقيقاتها دول المجلس الأخرى جهودا متواصلة للتوصل إلى توافق شامل للأزمة اليمنية يحفظ لليمن أمنه واستقراره ووحدته ورخاء شعبه”.مؤكدا أن “مبادرة المجلس لمساعدة الأشقاء في اليمن على الخروج من الأزمة السياسية الحالية تمثل الإرادة الجماعية لكل دول مجلس التعاون” في إشارة إلى رفضهم اعتراض الرئيس صالح على حضور قطر مراسم توقيع الاتفاق.


ما يلاحظ أن مشروع الاتفاق المنبثق عن المبادرة الخليجية اصطدم بتعقيدات كبيرة في ضوء الاحتقانات السياسية وأجواء التصعيد السياسي والإعلامي وما أفرزته تداعيات الأزمة من انعدام الثقة بين الأطراف اليمنية والاتهامات المتبادلة بمحاولة إفشال المبادرة .


فالمؤتمر الذي أبدى موافقته على المبادرة مراهناً على رفض المشترك لها وهو عندئذ سيكون قد كسب دعماً خليجياً ومن ورائه دولياً ، لكنه تفاجأ بإقناع دول المجلس للمشترك من عدم إلزامية المبادرة لهم برفع الاعتصامات ليتغير موقفه مرة أخرى ويعود للتضارب.


وعلى ما يبدو فإن التطمينات التي حصل عليها المشترك من دول الخليج حول بندبن من بنود المبادرة قد أربك النظام الحاكم ..وكان المشترك بعث في 25 ابريل رسالة إلى أمين عام مجلس التعاون الخليجي يبدي ترحيبه بالمبادرة مع الإشارة إلى أنه لضمان تنفيذ الاتفاق المنبثق عنها لا بد وأن يكون واضحا سلفا بأن فهمه للمبدأ الرابع في مشروع الاتفاق الذي ينص على “أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وأمنيا ” لن يترتب عليه إلغاء ومصادرة حق المواطنين في الاعتصام والتظاهر سلميا ، وأن موافقة مجلس النواب على استقالة، الرئيس ملزمة للمجلس في أول جلسة تعرض فيها الاستقالة . وهذا ربما لتجنب أن يدفع الرئيس أغلبيته لرفض الاستقالة حيث سيمنحه ذلك البقاء رئيساً لثلاثة أشهر قبل أن يسمح له دستورياً بتقديم استقالته مرة أخرى.


وبالرغم من ذلك فلازال النظام الحاكم كعادته يراوغ في التعامل مع المبادرة من حيث وضع اشتراطات عليها ومنها أن يكون التوقيع بإسم المؤتمر وأن تتوافق مع الدستور وأن تنفذ كمنظومة متكاملة .غير قابلة للتجزئة والانتقاء، خاصة ما يتعلق بإزالة أسباب التوتر سياسياً وامنيا ، موضحا أن ذلك يعني التزام اللقاء المشترك وحلفائه بإزالة أسباب الاحتقان من خلال إنهاء الاعتصامات ووقف التظاهرات وكل أعمال التخريب والتمرد في الجيش وقطع الطرقات والاعتداء على المنشآت والممتلكات العامة والخاصة.


والمعنى الواضح من هذه التصريحات أن أساليب المناورة والمراوغة والتنصل عن الاتفاقات التي عرف بها النظام على مدى السنوات الماضية قد لاتقف عند حدود المواقف المتباينة والظاهرة الآن في تفسيراته لبنود المبادرة ، بل انه على استعداد كما يبدو لاختلاق شروط جديدة حال توقيع الاتفاقية.


كما أن مجزرة الأربعاء الماضي في العاصمة صنعاء وما تلاها من اعتداءات وحشية تجاه المعتصمين في عدن والمحافظات الأخرى أعطت صورة واضحة عن دفع الأوضاع نحو التصعيد في طريق البحث عن مخرج للتنصل عن التوقيع على المبادرة .


لقد عمت موجة غضب في أمانة العاصمة والمحافظات على خلفية الجريمة الدموية التي ارتكبها النظام بحق المتظاهرين سلميا بأمانة العاصمة، مناشدين دول العالم والأشقاء بوقف النزيف الدموي بحق أبناء الشعب اليمني .


لقد وصل عدد قتلى الاربعاء الرامي إلى 14 متظاهراً كما أصيب 798 بالرصاص الحي والطعن بالجنابي والضرب بالهراوات وبالآلات الحادة من قبل مسلحين بلباس مدني يخيمون في المدينة الرياضية وأفراد بلباس عسكري.


وخرجت تظاهرات حاشدة بمختلف محافظات الجمهورية للتنديد بالجريمة الدموية التي اعتبروها رداً من الرئيس على المبادرة الخليجية .


هذه الحادثة فضلاً عن قيام قوات من الأمن والجيش باقتحام ساحة الاعتصام بعدن وقتل وإصابة العشرات أثارت ردود أفعال محلية ودولية واسعة،حيث اتهمت أحزاب اللقاء المشترك (الرئيس وأبناؤه وإخوته وأبناء إخوته ) بارتكاب المجزرة التي وصفتها بالوحشية ضد المتظاهرين أمام ملعب الثورة بصنعاء وفي منطقة العريش وأكدت في بيان”إن إصرار النظام على مواصلة سفك الدماء بمثل هذه الوحشية يضع جهود الأشقاء في الوصول إلى توقيع الاتفاق محل شك كبير لما عرف عن هذا النظام من المراوغات والمناورات، وهو ما يؤكد على انه سيمضي في سفك المزيد من الدماء لإفشال الاتفاق كما كان شأنه دائماً”.وقالت إنها وفي حال عجز الأشقاء والأصدقاء عن حماية المتظاهرين والمعتصمين سلميا ستجد نفسها “غير قادرة على المضي في التوقيع على اتفاق تشير الدلائل على أن النظام يريد أن يوظفه لسفك المزيد من دماء الشعب، كما دلل على ذلك خلال الأيام الماضية”.


واعتبر المشترك تلك المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام وبالرصاص الحي “دليلاً على أنه يسعى لتوسيع قاعدة الرفض الشعبي للمبادرة ليحقق غايته الحقيقية من وراء ذلك وهو التنصل من الموافقة المكتوبة التي كان قد قدمها لدول مجلس التعاون “.


كما أعادت الحادثتان طرح ضرورة إقالة أقرباء الرئيس من قيادة المؤسسات العسكرية والأمنية إلى كون بقائها سيجعل أي اتفاق لإخراج البلد من أزماته غير ممكن.


أما اللجنة التحضيرية للحوار الوطني فقد وجهت نداء عاجلا إلى مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة وكافة أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان إلى الوقوف أمام الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها أجهزة السلطة في مختلف المحافظات ضد المحتجين سلمياً .


وحسب اللجنة فقد بلغ عدد ضحايا الاحتجاجات السلمية حتى الآن ( 419 ) قتيلاً بالرصاص الحي و ( 1700 ) جريح و( 11000) مصاب بالغازات السامة ، و ( 102) حالة اختطاف وتعذيب واختفاء قسري من ساحات الاعتصامات والمسيرات السلمية ، كما طالبت بتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق للقيام بإجراءات التحقيق وتحريك الملف الجنائي وإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية .


من جانبه دعا اللواء المنشق علي محسن قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية لهبة شعبية لنجدة الثوار والتصدي للممارسات الإجرامية لنظام الرئيس صالح وحمله مسؤولية المجازر الدموية التي تستهدف المعتصمين السلميين في ساحات الحرية والتغيير بمختلف المحافظات اليمنية.وأكد حرص الفرقة الأولى مدرع وفروع القواته المسلحة والأمن المؤيدة والداعمة لثورة الشباب السلمية بأن لا تعطي للرئيس فرصة تفجير الموقف عسكرياً “


وعلى الصعيد الحقوقي شددت منظمة العفو الدولية على ضرورة عدم السماح للرئيس علي عبد الله صالح بالتهرب من المساءلة عن القائمة الطويلة من انتهاكات حقوق الإنسان التي اقترفت في ظل حكمه”.وقالت”يجب أن يخضع الرئيس صالح ومن حوله للمساءلة عن عمليات القبض التعسفي، والتعذيب، وأعمال القتل غير المشروع التي ارتكبت تحت سمعهم وبصرهم، وذلك إذا ما أريد لحكم القانون أن يكون له أي معنى في اليمن”.


وفيما رحبت بالجهود التي يبذلها مجلس التعاون الخليجي لكسر الجمود ووضع حد للعذابات التي يلاقيها اليمن حالياً، قالت إنه ينبغي ألا يُسمح للرئيس صالح أن يحدد الثمن الذي يريده هو من أجل الموافقة على التنحي.


منظمة هيومان رايتس ووتش قالت من جانبها إن الرئيس صالح يجب ألا يستخدم الحصانة من المحاكمة التي منحه إياها اتفاق تسليم السلطة كتصريح مفتوح بمهاجمة المتظاهرين سلميا.


ونبهت الرئيس ومن قالت إنهم ينفذون أوامره إلى أن أي اتفاق حصانة من المسؤولية عن القتل الواسعة خارج القانون لن يعفيهم من المساءلة.ونبهت هيومن رايتس ووتش إلى أن القانون الدولي يرفض تقديم حصانة للإفلات من العقاب ضد الجرائم الجسيمة وخاصة الجرائم ضد الإنسانية والتعذيب .


أما الموقف الأمريكي فقد كان مفاجئا للشباب حيث حملهم ضمنياً جزءاً من مسؤولية ما حدث .. وفيما عبرت سفارة واشنطن في صنعاء عن الاستياء من ما جرى من أعمال عنف في 27 أبريل وأسفر عن مقتل وجرح المئات من المواطنين اليمنيين قالت في بلاغ صحفي “من المثير للقلق أن أحداث العنف وقعت عشية توقيع اتفاق تاريخي بين الحكومة وأحزاب اللقاء لتحقيق انتقال السلطة سلميا”.


وحثت السفارة “جميع المواطنين اليمنيين على أن يبرهنوا التزامهم في الانتقال السلمي عن طريق تجنب جميع المظاهرات، والخطب، والمسيرات الاستفزازية، في الأيام المقبلة”.


لكن شباب الثورة اعتبروا ذلك تعدياً على حقهم في التظاهر والتفافا على ثورتهم السلمية وجاء ردهم عبر الحشود المليونية في يوم الجمعة الفائتة حيث أقام المطالبون بإسقاط النظام صلاة الجمعة في الساحات وميادين الحرية في عدد من محافظات الجمهورية، للتنديد بقتل المعتصمين ومطالبة صالح بالتنحي الفوري فضلاً عن تأكيد رفضهم للمبادرة الخليجية.


ففي أمانة العاصمة احتشد المتظاهرون بشارع الستين للمرة الثانية، وفي محافظة تعز جابت مسيرة حاشدة معظم شوارع المدنية للتنديد بمجازر النظام التي وصفوها بالوحشية ، علاوة عن تأكيد رفضهم للمبادرة الخليجية، وتحويل ثورتهم إلى أزمة بين السلطة والمعارضة.


ودعا خطباء الجمعة دول الخليج العربي إلى “الوقوف إلى جانب ثورة الشعب اليمني خير لها من الوقوف إلى جانب نظام متهالك فقد شرعيته وأصبح يمثل عبئا على اليمن وعلى الإقليم”.


وعلى خلاف التظاهرات والمسيرات التي خرجت في عموم المحافظات ، رفعت مسيرة صعدة اللافتات التي تعبر عن رفض أي مبادرات لا تلبي مطالب وطموح الشعب اليمني وفي مقدمتها المبادرة الخليجية، وقالوا انها تمثل تدخلاً سافراً في شؤون اليمن الداخلية كما هتفت الجماهير بالشعارات التي ترفض كل أنواع المبادرات والالتفافات على ثورة الشعب ( لا عمالة لا ارتهان لا لوسيط الأمريكان).


وشن خطباء ساحات التغيير وميادين الحرية هجوما على الإعلام الرسمي، موجهين له تهم التحريض على قتل المتظاهرين سلميا بمختلف ساحات التغيير، وتبرير جرائم النظام.


وقال خطيب ساحة التغيير بصنعاء صلاح باتيس إن الإعلام الرسمي يقوم بنقل صور مغلوطة عن المعتصمين سلمياَ ، وقلب الحقائق ، مضيفا “إنه شريك أساسي في جرائم القتل التي تحصل من خلال قيامه بتحريض المؤيدين للنظام، داعيا القائمين على الإعلام بتقوى الله ونقل الحقيقة والانضمام للثورة، بعد أن فقد النظام شرعيته” واستغرب من استرخاص الفضائية اليمنية لدماء الشهداء والتي تدعي بأن الدماء التي تسفك مجرد “فنتو” وتارة انهم قتلوا بحوادث مرورية وغيرها من المسميات التي لا يقبلها عاقل .


وكانت نقابة الصحفيين اليمنيين قالت إن وسائل الإعلام الحكومية تشارك في التغطية على جرائم نظام الرئيس علي عبدالله صالح ضد الشعب اليمني، داعية العاملين فيها إلى التوقف عن العمل فوراً .مؤكدة “ان هؤلاء الذين يقفون اليوم في مواجهة شعبهم، جاعلين من أنفسهم أدوات قتل أخرى للحقيقة سيبوؤون بعار الأبد وسيكونون هدفا للملاحقة والمساءلة والمحاسبة”.


يبحث الرئيس علي عبدالله صالح عن دعم عربي له وإن من المتقاربين معه في الاستبداد .. لقد أجرى الجمعة الفائتة اتصالاً مع الرئيس السوري بشار الأسد ووصف ما يحصل في اليمن وسوريا بـ”المؤامرة التي تستهدف زعزعة واستقرار المنطقة ووحدتها الوطنية في إطار تنفيذ أجندة ما يسمى بالفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد” حسبما قال.


ويبدو واضحاً أن صالح يشير بـ”المؤامرة” إلى الانتفاضة الشعبية الواسعة التي تجتاح اليمن منذ ثلاثة أشهر للمطالبة بتنحيه عن السلطة ومحاكمته، فضلاً عن الاحتجاجات الواسعة التي اندلعت منذ أسابيع في سوريا ضد حكم بشار الأسد.


ومنذ اندلعت انتفاضات الشعوب العربية ضد الأنظمة، لجأ الحكام الدكتاتوريون إلى إلقاء اللائمة على دول أجنبية وأياد خارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات المطالبة برحيلهم عن السلطة. وهي فزاعة استخدمها الرئيسان المخلوعان زين العابدين بن علي وحسني مبارك لكنهما أخفقا في استمالة شعبيهما إلى صفيهما والحفاظ على بقائهما في السلطة تحت هذه الادعاءات.


وحالياً يمارس الرئيسان الأسد وصالح نفس الأسلوب، ويوجهان الاتهامات لدول أخرى بالوقوف وراء الانتفاضة الشبابية التي تجتاح البلدين ضد نظاميهما ، كما ولا يكفان عن اتهام وسائل الإعلام وعلى رأسها قناة الجزيرة “بتشكيل غطاء داعم للثوراة ضدهما”.


ويقول النظام السوري إنه يتعرض لمؤامرة دولية وعربية بسبب “مواقفه القومية المساندة للمقاومة”، في حين يدعي علي صالح هو الآخر إن الاحتجاجات ضده في اليمن تحظى بتمويل خارجي. وتقابل مثل هذه التصريحات على المستوى الشعبي بحالة من السخرية والتندر إزاء الأساليب المكشوفة التي تحاول أنظمة الحكم الدكتاتورية أن تجد بها مبررات واهية للاحتفاظ ببقائها في السلطة.


بينما ينظر البعض إلى أن تصريحات صالح الحادة تجاه قطر وفقدانه للدبلوماسية المفترضة دليل واضح على سعيه للانتقام ممن يظن أنهم لم يقفوا إلى جانبه بعد شعوره الأكيد بمغادرته للسلطة إلى غير رجعة، تحت ضغط الاحتجاجات وصمود ملايين اليمنيين المطالبين برحيله في ساحات الاعتصام بمختلف محافظات الجمهورية.

نقلا عن صحيفة الوسط

زر الذهاب إلى الأعلى